ترجمة موجزة للأستاذ الدكتور سعد جاويش رحمه الله ورضي عنه
للأستاذ الشيخ محمود محمد علي، الواعظ بالأزهر الشريف
١- اسمه ونسبه وذريته:
هو السيد سعد بن سعد بن رزق بن عبد الرحمن بن عبد العال بن إبراهيم بن محمد بن علي بن حمد الملقب بجاويش، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن الإمام علي بن أبي طالب والسيدة فاطمة الزهراء بنت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
وقد أنجب من السيدة فيروز حفظها الله تعالى أولاداً وهم:
1. أحمد سعد جاويش وتوفي بعد ولادته.
2. أحمد سعد جاويش الحاصل على درجة العالمية (الدكتوراه) في كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر الشريف.
3. إيمان سعد جاويش وتوفيت بعد ولادتها.
4. إيمان سعد جاويش .
5. محمد سعد جاويش.
6. عبد الله سعد جاويش.
7. أُمَيمَة سعد جاويش.
8. عبد الرحمن سعد جاويش.
٢- مولده ونشأته:
ولد هذا الولي الصالح في شهر أبريل سنة (1941 م الموافق لشهر ربيع الأول سنة 1360 هـ)، في قرية صغيرة تسمى (رزق جاويش) التابعة لمركز سيدي سالم بمحافظة كفر الشيخ بجمهورية مصر العربية. وسميت القرية باسم جده (رزق جاويش) لأنه هو الذي عمرها .
نشأ الشيخ في بيئة علمية قرآنية، وكان أبوه الذي يربيه إماما وشيخا لبلدته، تعلم منه الأخلاق الكريمة وحب النبي وآله الأطهار وصحابته الأخيار رضي الله عنهم.
وقد ترجم الشيخ والده ضمن أشياخه فذكر أنه كان سليم الصدر ذا قلب رقيق، دائم الحزن عند قراءة سيرة الأنبياء وآل البيت والصحابة والصالحين، وهو الذي علمه حب النبي (صلى الله عليه وسلم) والصالحين وقد تأثر به وورث أوصافه.
تُوفيت أمه وهو صغير لم يتجاوز عمره سن التمييز ؛ فلم يذق حلاوة الرحمة من أمه، كما ذاق الأطفال في مرحلة الطفولة. ولكن من الله عليه بأب صالح رباه في طفولته، وأرشده إلى المجالس العلمية، فحفظ القرآن الكريم في الكتاتيب مبكرا، وأخذ العلوم الشرعية، فنعم الأب المربي.
وبعد وفاة أمه اعتنت به أخته الكبرى، ولهذا كان الشيخ شديد الصلة بأخته؛ لأنها التي قامت على تربيته مع أبيه بعد وفاة أمه صغيرا، وكان يسكن في بيت أخته في مرحلة الكُتَّاب؛ ليجاور شيخه الذي يسكن في تلك القرية، وقد دامت الصلة بينهما ولم تنقطع طيلة حياتهما. فقد كان كثيرا ما يقوم بالاتصال بها والسفر إليها لزيارتها مما يبين قوة العلاقة بين الشيخ وأخته. فكان بذلك قدوة لأبنائه وتلاميذه ومثالا في صلة الرحم.
٣- رحلاته العلمية:
أ) رحلته مع القرآن الكريم:
بدأ الشيخ رحلته العلمية بحفظ كتاب الله تعالى وتجويده في مبدأ أمره، فبدأ بحفظ القرآن الكريم في مُقْتَبَلِ طفولته على يد الشيخ حسن سلامة وأخيه الشيخ محمد سلامة، وكانا محفظي القرآن بالكُتَّاب.. وقد أتم حفظ القرآن صغيرا قبل التحاقه بالمعهد الديني سنة (1953 م وعمره 12عاما).
وبعد أن أتم حفظ القرآن وتجويده راجعه على أبيه، وكان أبوه من حفاظ القرآن، وكان يكثر قراءة القرآن ليلا ونهارا، وهذه فرصة ذهبية لا يتركها تذهب سُدى. انتهز فرصته وقرأ على أبيه وراجع عليه حفظه كاملا، وكان من عادته إذا ذهب إلى المزرعة ليصاحب أباه قرأ عليه ربع الجزء أو نصفه في الطريق حتى لا يضيع وقته هباء.
وقال الشيخ سعد جاويش عن فضل البُكور في طلب العلم: ومما يُعِين على طلب العلم البُكور (أي البُكور في العمر والبُكور في الوقت) . وقد أرشده أبوه إلى طريق العلم منذ صغره رجاء لبركة البُكور، وعملا بحديث سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم بارك لأمتي في بُكورها).
ب) التحاقه بمعهد دسوق الديني:
وبعد أن أتم حفظ القرآن ومراجعته على أبيه، التحق الشيخ بمعهد دسوق الديني، وكان ذلك أول خطوة في رحلته العلمية. وفي هذه المرحلة الغالية بذل الشيخ جهده في طلب العلم، وقد كان لهذه المرحلة دورا مهما في حياته، حيث قرأ وتعلم على كثير من شيوخ المعهد، وتدرج في العلوم سلما سلما من الأدنى إلى الأعلى، بإشارة شيوخه فيما يقرأ ويطالع.
جـ) اجتهاده في طلب العلم:
نشأ الشيخ في أسرة علمية طيبة، كان أبوه فلاحا جادا بعيدا عن الترف، وقد سدّ أبوه حوائجه الماسة كالأكل والشرب والكتب وغيرها. والتحق الشيخ بمعهد دسوق الديني سنة (1953 م) وجاوره فيه تسع سنوات ولم تكن الشوارع ميسرة كما هي الآن، فكانت الطرق العامة في قريته ترابية والمواصلات نادرة، وكان الشيخ إذا لم يجد المواصلة التي توصله إلى قريته يركب الحمار أو يمشي على قدميه، وقد كانت الحالة في تلك الأيام صعبة لبعده عن البيت والأسرة، مما احتاج إلى همة عالية لمواصلة الطريق.
و في آخر يوم من كل أسبوع كان الشيخ يرجع إلى بيته ليأخذ نفقته من أبيه. وكان أبوه ينفقه ربع جنيه (أي 25 قرشا) لقضاء حوائجه الأسبوعية. وقد دام هذا الأمر من أول التحاقه بالمعهد إلى حصوله على الإجازة الثانوية.
فلم تثن المشقة الشيخ عن مواصلة طريقه، فقد وهب نفسه للجهاد في سبيل العلم، فقوي بذلك عزمه وعلت همته في طلب العلم منذ صغره بفضل تربية أبيه وحسن تأديبه. كما كان من عاداته في فصل الصيف شراء الكتب الخارجية مشتركا مع زملائه في شرائها وقراءتها.
د) المرحلة الجامعية:
وهذه المرحلة تُعدّ من أهم المراحل في تكوين علم الشيخ وشخصيته، حيث درس فيها الكتب النافعة وقرأ على العديد من العلماء الفضلاء بالأزهر الشريف والتقى بزملائه في الكلية، وقد كان مثالا لزملائه في طلب العلم والذهاب إلى الدروس العلمية ومصاحبة المشايخ، صابرا على كل ما يعوقه من مشقة، أو فقر، أو غير ذلك.
فكان رحمه الله تعالى يقول عن أهمية الصبر في طلب العلم: ” ومن مقومات طالب العلم : هو الصبر، الصبر على طاعة الله تعالى (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها لا نسألك رزقا نحن نرزقك والعاقبة للتقوى)، والصبر على التلقي عن العلماء والجلوس بين أيديهم والتعلم منهم والتواضع لهم .
بدأ الشيخ المرحلة الجامعية في الأزهر الشريف بالقاهرة سنة (1962 م)، بعد أن أتم دراسته في معهد دسوق الديني. والتحق بكلية أصول الدين بعد أن استخار ربه تعالى ليرشده إلى الطريق الأصوب في طلب العلم، وفي هذه المرحلة النفيسة لا يستغرق الشيخ وقته إلا للعلم والعبادة. وقد بشر الله سر نجاحه منذ بداية رحلته العلمية، ثم حصل على شهادة الليسانس من جامعة الأزهر (1966 /1967 م).
هـ) حصوله على الماجستير والدكتوراه:
وانتقل الشيخ إلى مرحلة الماجستير بجامعة الأزهر الشريف بعد أن أكمل خدمته في الجيش، ثم جاء إليه القرار للالتحاق بإدارة الوعظ بالأزهر الشريف.
فأحب الشيخ عمله هذا، وتردد على مساجد القاهرة واعظاً ليلا ونهارا، خطيبا للجمعة، لا تخلو أيام شبابه من العلم والعبادة والإرشاد للناس والدعوة لهم إلى طريق الله تعالى. وهذا منهج السلف الصالح ما يخلوا عنه يوما، أو يرتضوا عنه بديلا.
وبعد عامين قُرِّرَ تعيينه مُعِيْدًا بجامعة الأزهر. فاستخار ربه تعالى، واستشار كثيرا من مشايخه فقال له أحد مشايخه الكبار: يا ولدي إن الله يحب معالي الأمور، لماذا تشك بهذا ؟ وهذا من معالي الأمور، اذهب واعمل بمقتضى هذا الخطاب، ومن الممكن أن تحوي هذين الأمرين الوعظ والتدريس بجامعة الأزهر، وكأن الإجابة لم تقنعه، ثم استشار عمه الشيخ عبد الكريم جاويش في هذا الأمر، فقال له: أنت تستشيرني في هذا الأمر؟ إن هذا الأمر ينبغي أن ينفذ، اذهب إلى الكلية وتسلم عملك. وبعد أن سمع هذه النصيحة القيمة من عمه تأكدت العزيمة لأخذ هذا العمل بعد أن بذل جهده في الوعظ مدة سنتين، ثم انتقل إلى الكلية ودرّس فيها إلى آخر حياته.
وفي هذه المرحلة مَنَّ الله عليه بالجلوس بين يدي العلماء الأكابر، وسمع وحفظ من دروسهم القيمة، و ترَدَّدَ عليهم في حلقاتهم العلمية بالأزهر الشريف وخارجه، وقد ذكر بعض شيوخه في كتابه (تذكرة المحبين بأسانيدي إلى خاتم النبيين).
وفي سنة (1971 م)، أتم الشيخ رسالته العلمية في الماجستير بعد فترة قصيرة، وتزوج في هذه السنة من بنت عمه الصالحة، وفي سنة (1976 م) أتم الشيخ رسالة (الدكتوراه) ومُنح فيها مرتبة الشرف الأولى من الكلية وأوصت بطبع الرسالة .
4- شيوخه وتلاميذه:
وقد ظهر نجاح الشيخ في علمه منذ شبابه، وجَرَى نشاطه على لسان أصدقائه وصار مثالا لهم، لَازَمَ الشيوخَ ومجالسهم العلمية وجالَسَهم وتردَّدَ عليهم؛ وهذا الحب العَميق للعلم وأهله يجعله يعشق العلم ويحب المعرفة والرحلة في سبيل المَزيد، حتى صار من أعظم شيوخ الحديث في الأزهر الشريف، ولكنه لا يستحيي أن يجلس تحت أقدام العلماء وكان حريصا على حضور مجالس الأولياء فهو آية في العلم والأخلاق.
وهو المحدث الكبير والعالم الرباني يربي أبناءه وطلابه ببصيرته وأخلاقه. ومن أكبر تقدير من علماء عصره له أن كثيرين منهم كانوا طلابا له، وإن لم يكن طالبا كان محبا له، ساعيا على لقائه وحضور دروسه العامرة في كثير من الأماكن. وبعد التحاقه بالأزهر الشريف وتَتَلْمُذِه على علمائه الفضلاء فجد واجتهد في التحصيل وسهر الليالي، حتى برز في الحديث وعلومه وبرع واشتهر في شتى العلوم الشرعية وأجازه مشايخه بالتدريس.
وقد كتب في كتابه (تذكرة المحبين بأسانيدي إلى خاتم النبين) الجامع لأسانيده العالية في علم الحديث وغيره مما أخذه عن شيوخه في رحلته وقت طلب العلم، فأحببت أن أذكر بعضهم هنا تبركا بذكرهم حتى يتغمدنا الله برحماته وأمداده آمين.
ومن شيوخه في الإسناد:
1. العلامة الكبير المحدث المتفنن مسند الدنيا سيدي أبو الفيض محمد ياسين بن محمد عيسى الفاداني المكي الشافعي . وفادانْ أو بَداَنْجْ احدى المدن الكبيرة في جزيرة سُومَطْرَا الغربية إِنْدُونِيسيا، وقد كتب الشيخ في ذكر أسانيد مشايخه أنه ذكر أن الشيخ ياسين الفاداني شيخ الحديث والإسناد بدار العلوم الدينية بمكة المكرمة.
2. العلامة المحدث الشيخ مصطفى أمين التازي الحسيني من علماء الحديث بالأزهر الشريف والأستاذ بكلية أصول الدين بالقاهرة، وقد تردد عليه لقراءة الكتب الستة في بيته كما ذكر في كتابه.
3. العلامة الكبير العارف بالله المحدث الشيخ محمد حافظ التيجاني شيخ الطريقة التيجانية بالديار المصرية. والعلامة الحافظ التيجاني كما لا تخفى فضائله بين أهل العلم ومريديه أنه موسوعة في العلم والمعرفة صاحب الأخلاق الكريمة، وأصله مبارك فهو من نسل سيدنا الإمام الحسين رضي الله عنه. وقد قرأ الشيخ عليه عدة كتب في الحديث .
4. محدث الحرمين الشريفين العلامة العارف بالله السيد محمد بن علوي المالكي، وكان الشيخ يحب السيد محمد حبا جما، لأنه زميله في الكلية وقد تردد عليه لقراءة كتب الحديث في بيته بمكة المكرمة .
5. العلامة الحافظ المحدث السيد عبد الله بن الصديق الغماري الحسني: وقد ذكر الشيخ في كتابه أنه التقى بحضرته بالجامع الأزهر الشريف وأيضا في كلية أصول الدين .
6. العلامة العارف بالله الشيخ محمد خليل خطيب.
وقد ذكر لنا الشيخ أنه من أجل شيوخه و قد سمع منه في بيته بطنطا. وتأثر كثيرا به في أخلاقه وعلمه وذكره في ضمن مشايخه الفضلاء .
وقد ذكر لنا ابنه الشيخ أحمد سعد جاويش: أن السيد الوالد قد رأى رؤية صالحة في نومه، أنه صاحب شيخه هذا في زيارة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعهما الشيخ عبد السلام أبو الفضل وهو خليفة الشيخ محمد خليل الخطيب، وفي هذه الرؤيا رأى الشيخ أنه مشى على مهلته وراء هذين الشيخين الجليلين، ورأى أمامهم قصرا عظيما وفتح للشيخ خليل خطيب باب القصر ودخل فيه ويعقبه الشيخ عبد السلام أبو الفضل، ولما جاء دوره سمع هاتفا يناديه : توضأ ثم تعال.
7. العلامة الجليل الولي العارف المربي الشريف فضيلة الشيخ محمد زكي الدين الحسيني (رائد العشيرة المحمدية ومن علماء الأزهر الشريف مجدد التصوف في عصره وخاتمة المحدثين في مصر).
وقد ذكر لي ابنه الحبيب الشيخ د. أحمد سعد جاويش أن والده قد لازم الشيخ محمد زكي الدين إبراهيم منذ شبابه وأحبه كثيرا وحضر في حلقات ذكره ويتبرك به وبمجالسه، وقد تأثر به في علمه وأخلاقه، وله منه إجازة في كتبه وأسانيده.
8. العلامة العارف بالله الشيخ نجم الدين محمد أمين الكردي الإربلي النقشبندي الشافعي الحسيني (المحدث الكبير والشيخ الكامل عالم متفنن شيخ الشريعة والحقيقة، شيخ الطريقة النقشبندية في عصره بمصر وقد أنفق عمره في التدريس والتربية ونشر كتب والده، وله تلاميذ كثيرة من مصر وخارجها). وقد أخذ الشيخ عنه العلم والعهد الوثيق في الطريقة النقشبندية .
9. العلامة المحدث الشيخ محمد علي السماحي: صاحب كتاب (المنهج الحديث في مصطلح الحديث)، وهو شيخ الحديث بكلية أصول الدين كما ذكر الشيخ في كتابه .
10. الإمام الأكبر الشيخ عبد الحليم محمود : شيخ الأزهر الأسبق وهو شيخ فتاح عالم الشريعة والحقيقة.
وقد ذكر لي فضيلته أن فضيلة الإمام عالم متفنن يحب العقيدة والفلسفة ولكن في آخر حياته يميل حبه إلى الحديث النبوي الشريف والتصوف الإسلامي. وقد أشاد بذكره في كتابه أن العلاقة الوثيقة بينهما لا يفارقها الموت، فهو شيخه حيا ومنتقلا .
وهذه تذكرة موجزة بذكر شيوخه الأجلاء ومن أراد أن يَسْتَزِيد فعليه بالرجوع إلى كتاب (تذكرة المحبين بأسانيدي إلى خاتم النبيين)، وبفضل الله تعالى ومَنِّهِ قد طبعت بعض كتب الشيخ، وتم نشرها في مكتبته بالحي السابع بمدينة نصر وفي مكتبة الإيمان داخل كلية أصول الدين وغيرها من المكتبات في مصر.
ومن تلاميذه النجباء:
1. ولده الحبيب الخَلوق الشيخ الدكتور أحمد سعد جاويش وهو الذي قام واستمر في دروس أبيه في قراءة كتب الحديث النبوي الشريف بمنزله كل يوم الجمعة بعيد صلاة المغرب.
2. العلامة المحدث الشيخ أسامة السيد الأزهري مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الدينية.
3. العلامة المحدث الشيخ أيمن الحجار: الباحث بمكتب إحياء التراث الإسلامي بمشيخة الأزهر الشريف، وقد أثنى شيخنا عليه ثناء جميلا في المجالس العلمية بالجامع الأزهر الشريف وخارجه.
4. فضيلة المحدث الشيخ د. هانئ الطنطاوي، الأستاذ بجامعة الأزهر الشريف.
5. فضيلة الشيخ عبد الملك الحلبي: والشيخ عبد المالك الحلبي يعد من أقرب تلاميذه وأجلهم وقد لازمه ملازمة صادقة سنوات عديدة في بيته وخارجه.
6. الشيخ خالد الليبي (وهو من أجل تلاميذ شيخنا الحبيب).
وغيرهم من أهل العلم من أنحاء العالم، وقد تتلمذ عليه خلق كثيرون من أهل آسيا (إندونيسيا، ماليزيا، تيلند وغيرها).
5- زياراته خارج مصر:
• إعارته الأولى لمكة المكرمة ( 1978-1983 م):
رحل الشيخ إلى السعودية سنة (1399- 1404 هـ) الموافق بسنة (1980-1984 م) بعد صدور قرار بإعارته لمكة المكرمة، للتدريس بجامعات أم القرى لتعليم الحديث الشريف وعلومه.
وقد درَّس في هذه الجامعة أربع سنوات واستفاد منه الطلاب استفادة كثيرة، كما التقى في هذه الفترة القيمة بشيخه الأول في الإسناد العلامة المحدث المسند الشيخ محمد ياسين الفاداني المكي الشافعي رحمه الله.
• إعارته الثانية للرياض (ه1408 / م1988):
رحل الشيخ إلى السعودية (1988 م الموافق ب 1408 هـ) في الرئاسة العامة لتعليم البنات في كلية التربية بمدينة الرياض.
وفي هذه الفترة التقى الشيخ بزميله في الكلية وهو محدث الديار المصرية العلامة أ.د أحمد معبِد عبد الكريم حفظه الله وكان أستاذا في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية.
• إعارته الثالثة لجدة:
وفي سنة 2001 م، سافر الشيخ إلى السعودية لإعارته الأخيرة، وكان مدرسا بجامعة الملك عبد العزيز في جدة. وفي هذه الفترة الأخيرة ترك الشيخ أسرته في مصر، وقضى فيها سنة كاملة.
• زيارته إلى ماليزيا (2007م ):
زار فضيلة الشيخ سعد جاويش ماليزيا عدة مرات: فالزيارة الأولى كانت يوم الجمعة (16 نوفمبر سنة 2007 م)، واستمرت إلى ثلاثة أيام، والتقى فيها بكبار علماء ماليزيا وخارجها، وكانت الزيارة مليئة بالعلوم والأنوار.
• زيارته لسنغافورة (2007 م):
وقد زار الشيخ بلاد سنغافورة في التاريخ (8-15 نوفمبر 2007 م) ليلقي فيها ندوة علمية.
6-مؤلفاته:
وفي أواخر حياته قد بذل جهده في التأليف أكثر مما سبق، كأنه قد شعر بقرب وفاته، فاجتهد في التأليف، وأعطى لهذا كثيرا من أوقاته. ووقت الصباح هو وقته للتأليف، بعد أداء ورده اليومي للقرآن الكريم، وللشيخ سعد جاويش تآليف في علم الحديث النبوي الشريف وكذا في ترجمة الأولياء الصالحين، وعنايته في العلم عظيمة وقد ألف كتبا قيمة منها:
• السنن الزكية (4 أجزاء).
• السنة المشرفة وعلوم الحديث.
• قضايا حديثية.
• على طريق الهجرة.
• ألقاب أهل الله.
• جبر الخاطر.
• البكاؤون.
• ناشئة الليل.
• ضوء القمر.
وكتب تحت الطبع:
• كشف الهوى.
• المسحة المحمدية.
• شبهات حول السنة وردود.
• شواهد الإيمان (الجزء الثاني).
6- دروسه ومجالسه وحلقاته العلمية:
1. الحرم المكي:
وقد جلس في هذه البُقْعة المباركة سنة كاملة، بعد أن جاء إليه القرار من مجلس شؤون الحرم لتدريسه فيه، وأعد له كرسيا خاصا يلقي درسه في مادة الحديث النبوي الشريف وعلومه.
وهذا شرف عظيم من بركة دعائه المبارك في الملتزم، وقد ذكر لنا أنه أفتى الناس على مذهب الإمام الشافعي فنبهه أحد مسؤولي الحرم وأمره بأن يفتي على المذهب الحنبلي.
2. الجامع الأزهر الشريف:
وقد قام الشيخ بتدريس الحديث وعلومه بالجامع الأزهر الشريف بالظلة العثمانية وتارة في رواق الشراقوة.
وقد قرأ عديدا من الكتب في الحديث النبوي الشريف.
3. جامعة الأزهر الشريف:
وفي هذه الجامعة قام بخدمة العلم في مدرسته الأولى ودرّس فيها الحديث وعلومه وأشرف على الرسالات العلمية واستفاد منه الطلاب من كل أقطار العالم.
4. مضيفة الشيخ إسماعيل صادق العدوي:
وقد قرأ مختصر البخاري للإمام ابن أبي جمرة الأندلسي في هذه البقعة المباركة، وكان يذكر قصة مؤثرة في أول لقائه في هذا المكان عن جميل أخلاق الإمام ابن أبي جمرة الأندلسي لشدة تعلقه بأخلاق صاحب هذا الكتاب المبارك.
5. العشيرة المحمدية:
وقد درّس الشيخ في هذا المكان المشرف سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان حبه للرسول صلى الله عليه وسلم حبا صادقا، وكأنه ورثه من أبيه.
6. أكاديمية أهل الصفة بالمقطم:
وللشيخ ارتباط وثيق بمؤسس هذه الأكاديمية المباركة فضيلة المربي الشريف الشيخ الدكتور محمد عبد الصمد مهنا الحسيني حفظه الله تعالى، وكان الشيخ وكيلا له فيها، ودرّس فيها مادة الحديث النبوي الشريف.
7. ودرّس أيضا في بعض المساجد المجاورة لبيته، مثل مسجد عباد الرحمن ومعهد الدراسات الإسلامية والأماكن الأخرى.
– قالوا عن الشيخ:
• فضيلة العلامة المحدث الشيخ أحمد معبد عبد الكريم:
درست معه سنتين في مرحلة الماجستير بعد أن حصلت على الماجستير في التفسير وعلومه، هذه الصحبة لا يتسع الكلام عنها لأنه رجل يعبر عن نفسه بأفعاله لا بأقواله. والكلام في شأنه نحن مأمورون به في حديثه صلى الله عليه وسلم : «أذكروا محاسن موتاكم، كلنا وكلامنا واجتماعنا منطلق من هذا الحديث.»
ويقول عنه أيضا في رثائه:
كان الرجل نعم الصديق ونعم الصاحب ونعم العالم، الذي جمع بين العلم والخلق والعبادة والصلاح، وهو رحمه الله ترك فراغا لا يسده غيره.
• العلامة اللغوي الشيخ فتحي عبد الرحمن الحجازي:
الشيخ سعد كان لا يتكلم كثيرا وإنما يقول على قدر ما يقول وكان رحمه الله تعالى ساكنا، وسمعت الشيخ صالح الجعفري يقول: هؤلاء الرجال لا يتكلمون كثيرا بلسانهم، بل يتكلمون بإشاراتهم.
وقال لي أحد: أن الشيخ سعد كان إذا مشى كأنك لا ترى أحدا لسكوته وهدوئه، مع حمله لنور رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم نور، قال تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُم مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ﴾ ومعنى هذا كان رحمه الله تعالى يحمل نور رسول الله في كلامه ويحمل نور بيان رسول الله صلى الله عليه وسلم في صدره، وترى هذا منه على لسانه في كل مقال.
• العلامة الفقيه الشيخ عبد العزيز الشهاوي: وللشيخ سعد جاويش بشرى وله بشارة عظيمة وهي: قراءة صحيح الإمام البخاري، قام رحمه الله تعالى بحفظ الوحي الثاني وهو السنة المطهرة، قال تعالى: ﴿وَماَ يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلاَ وَحْيٌ يُوحَى﴾ بحفظه للوحي الثاني وكتاب الله تعالى وبختام حياته بصحيح البخاري، قال العلماء: قراءة البخاري هو شفاء وقال العلماء في فضل قراءة كتاب الشفا للقاضي عياض: من لم يقرأ الشفا لم يعرف حقوق المصطفى، وقراءة الشفا أيضا شفاء. والشفاء يكون من الأمراض والتطهير وإزالة لكل الأمراض الحسية والمعنوية. والله سبحانه وتعالى كرم له رحمه الله وأراد له الخير بأن يختم حياته بقراءة صحيح الإمام البخاري ليكون له شفاء وتطهيرا لباطنه.
وقال حفظه الله للفقير عن الشيخ في مناسبة أخرى: إن الشيخ سعد جاويش رحمه الله تعالى رجل طيب.
• العلامة الشيخ إبراهيم الهدهد: كان الشيخ الولي من الصالحين لذا جعل الله له هذا الود، وهو من البشرى قال تعالى: ﴿لَهُمْ البُشْرَى فيِ الحَيَاةِ الدُّنْياَ﴾ أي كل البشرى وهي البشرى الحقيقية بأن يبشر الرجل في خاتمته، أحسبه رضي الله عنه قد لقي الله تعالى بقلب سليم، وأنه من أصحاب القلوب السليمة وهم في الأمة نادرون قلة.
وأحسب هذا الرجل كان الله يسكن قلبه أي رحمته، وإذا سكن الله قلب عبد فإن قلب العبد لا يتسع لأحد بعد الله، كان يمشي بين الناس ولا يرى الناس، ولا يرى هذه الدنيا، ولا يلتفت لشيء فيها، وكان أحرص الناس على القيام بواجبه، ويقوم بحق الواجب.
ويبدو أنه يكثر كثيرا من دعوة القرآن قال تعالى في دعاء سيدنا إبراهيم عليه السلام ﴿وَاجْعَل لي لِسَانَ صِدقٍ فيِ الآخِرين﴾.
وكان نورا يوشع في وجه كل من رآه ولا يرى نور الصالحين إلا من كان صالحا، فرحمه الله إن شاء الله عند مقعد صدْق عند مَليك مقْتدر. وكان رحمه الله تعالى عاش حياته يصدق كل أحد ولا يكذب أحدا، والناس جميعا عنده صادقون، كل من قال له شيئا إما أن يؤمن على كلامه أو أن يسكت، وهذا شيء عجيب ليس كطبائع أنفس البشر.
• الشيخ الدكتور محمد عبد الصمد مهنا:
والشيخ سعد جاوش رحمه الله تعالى هو العالم العابد الولي الصالح التقي النقي مهموم القلب، وقد بارك الله له في عمره آمادا وأمدادا، ورزقه التوفيق في استعمال الأوقات في الأعمال الصالحات، والرياضات والمجاهدات، كان رحمه الله تعالى قليل الكلام، طويل الصمت، دائم الفكر، كما قال الإمام ابن عطاء الله السكندري : ما نفع القلب شيء مثل عزلة يدخل بها ميدان فكرة، وهذا شأن أهل الله.
وقد شاء الله تعالى أن يمد في عمره حتى يختم صحيح الإمام البخاري وقد كان كما سأل وهذا من دليل قبوله. وكان رحمه الله تعالى معرضا عن دنيا الناس مشغولا بأمر نفسه، له من أمره مع ربه شأن يغنيه، كما قالوا : إن أردت أن يكون لك عز لا يفنى، فلا تستعزن بعز يفنى، و العطاء من الخلق حرمان، والمنع من الله إحسان. وكلنا نعلم كم كان رحمه الله تعالى من الأخفياء، الذين لا يعرفهم إلا أهل الباطن والبصيرة، فمن وفقه الله تعالى إلى طلبه ومعرفته والوصول للعلم به ولأوليائه كما قال سيدي ابن عطاء الله السكندري : سُبْحانَ مَنْ لَمْ يَجْعلِ الدَّليلَ على أوليائه إلا مِنْ حَيثُ الدَّليلُ عَلَيهِ وَلمْ يوصِلْ إليهمْ إلا مَنْ أراد أَنْ يوصِلَهُ إليهِ، وكان رحمه الله من أهل الخشية من العلماء، قال الله تعالى: ﴿إنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ﴾، وكان رحمه الله متواضعا ليس تواضعه لرؤية الناس لنفسه وإنما هو عن شهود ربه، وكان في تواضعه يرى نفسه دون ما تواضع عنه، وهكذا كان رحمه الله ليس لنفسه حظوظ وإنما موافقة ربه في المشهد والمغيب والكلام عنه يطول فرحمه الله تعالى رحمة واسعة.
– وفاته:
وتوفي هذا الولي الصالح صباح يوم الأحد 15 من سبتمبر 2019 م الموافق بـ 16 من المحرم 1441 ه في بيته بالحي السابع، مدينة نصر، القاهرة عن عمر يناهز79 سنة بعد أن ختم صحيح البخاري كاملا مع تلاميذه قبل أيام وفاته بأسبوعين.
وبعد أيام من فراغه لقراءة صحيح الإمام البخاري عقد حفلة الختام وحضر فيها العلامة الشيخ أحمد معبد عبد الكريم وابنه الشيخ محمد أحمد معبد وعشرات من طلابه من مصر وخارجها وقام على ضيافتهم بنفسه، وفي نهاية الجلسة شعر الشيخ بمرض شديد يمنعه عن حضور المجلس وطلب إلى زميله الشيخ أحمد معبد عبد الكريم أن يستقبل الحاضرين، ويجيزهم في كتاب الصحيح البخاري ويطلب منهم الدعاء لشفائه، إلا أنه قد وافته المنية فانتقل إلى جوار ربه.
وقد شيعه الآلاف من المحبين وطلبة العلم في الجامع الأزهر الشريف، وقد بكى طلابهم بكاء الحبيب لفراق محبوبه، فرحم الله شيخنا رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته، ورفع درجته وجعله مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا.
في رثاء الشيخ:
في رثاء سيدي الأستاذ الدكتور سعد جاويش رحمه الله ورضي عنه كتب محمود محمد علي، الواعظ بالأزهر الشريف:
لا زال صوتك في المدائن والقرى … بـحـديـث خــيـر الأنـبـياء مُـبـشرا
فاسقِ القلوب بقول أحمد يشفنا … قـال الـبخاري وابـن حـنبل أخـبرا
أهــل الـحديث مـصونة أعـراضهم … يـحـى يـنـقح والـمـديني فـسـرا
مـاتوا وعـاش الـناس يرووا قولهم … سـلم الـمداد وكـل شـيخ سـطرا
عَنِيَّ ابن ماجة بالحديث وبالكنى … وابــن الـمـبارك لـلـخوافي أظـهرا
ومـعاذ يـروي مـن حـديث مـحمد … عـــذبــاً ذلالاً بـالـعـبـيـر تــبــخـرا
واقـــرأ مــوطـأ مـالـكٍ وارفــعْ بــه … يـاسـعدُ صـوتـاً كـالليوث مـذمجرا
والله يــا أهــل الـحـديث نـحـبكمْ … يــا خـيـر مـن خـدم الـنبي فـنوّرا
اقــبـل رســـول الله ســعـداً إنــه … مــن نــور وجـهك نـوره قـد فُـجِّرا
جـــدران أزهــرنـا تـصـيح بـحـرقة … ومـن المآذن صوت ثكلى لو جرى
يــا سـعـد غــنِّ لـنـا حـديثاً عـلَّنا … نـحـظى بـكـأس مـن صـفاءٍ قـدرا
يـا سـعد فـزت بـلفظ قـال مـحمد … إنـا الـحديث لـنعم نعم المشترى
===============
المراجــع:
١-من محاضرات الشيخ جاويش رحمه الله.
٢-كتاب اتحاف الدراويش بترجمة الشيخ سعد جاويش للأستاذ أدي رزال الجاوي.
٣- من حديث ابنه الأستاذ أحمد سعد جاويش المدرس بالأزهر الشريف.
يسرنا تعليقك وتفاعلك مع الموضوع