هذه ترجمة موجزة لخادم القرآن المحدث العارف بالله
الشيخ / محمد سعد بدران
رحمه الله تعالى
كتبها تلميذه الفاضل
الأستاذ شادي محمد المتولي العبد
هو الإمام التقي. العابد الولي. الذاكر الزاهد. العارف بالله تعالى. الداعية المُعَمِّرالبركة، خادم القرآن طول الزمان، المحدث الفقيه الشيخ / محمد بن سعد بن محمد بن بدران . الصديقي نسباً . البرمبالي مولداً . السعداوي إقامةً . السُنِي عقيدةً . الحنفي مذهباً . الشَّاذِلِي القَاوُقْجِي طريقةً . الخفائي إيثاراً وحالةً .
يقول شيخنا رحمه الله تعالى فيما وصلنا من ترجمته لنفسه :
أنا الفقير إليه تعالى: محمد بن سعد بن محمد بن بدران، ولدت في برمبال القديمة، قرية من قرى مصر واقعة على شاطئ البحر الصغير بناحية دكرنس دقهلية (قلت: سابقاً) سنة 1916 م في حجر أبي وأمي عليهما رحمة ربي، وعلمني أبي مباديء القراءة والكتابة وأنا في الخامسة من عمري حيث كان معلماً بها (قلت: سمعت من شيخنا أن والده الأستاذ/ سعد بدران كان لا أحد يضاهيه في العلم بالقرية حافظاً لكتاب الله، يعمل مدرساً بالمدرسة الإلزامية… ).
وعن وفاته يقول شيخنا رحمهما الله تعالى: (وفي السادسة توفاه الله تعالى فصرت وحيداً من جملة الأيتام، وتزوجت أمي بعده بعام أو اثنين على التمام (قلت: هي السيدة الصالحة سليلة عائلة “أبو العمايم” وسنذكر ما حدث بينها وبين شيخ شيخنا القاوقجي كما سيأتي وما انتهى من تسليمها له رضي الله تعالى عنهم ..
وعن بداية التحول في حياة شيخنا صاحب الترجمة يقول: “ولازمت المدرسة الإلزامية، واشتغلت في بعض الأسباب الدنيوية، وفي العاشرة من عمري عشقت طريق القوم، فأخذت الطريقة الرفاعية على أحد شيوخها يا قوم” .. قلت: أخذ شيخنا على خليفة الطريقة الرفاعية ذلك اليوم . عمي الشيخ علي أبو رمضان رحمه الله تعالى كل وقت وآن. وواظب شيخنا رغم حداثة سنه على الأوراد والأحزاب، واستقى من هذه الدنان أوفى شراب، خُصوصاً المجموع الكبير للسادة الرفاعية وأوراد طريقتهم الشرعية..
وعن لقائه بشيخه القاوقجي يقول شيخنا رضي الله تعالى عنهما: فلما بلغت الثالثة عشر أذن مؤذن الصباح حي على الصلاة حي على الفلاح، فرأيت البطل الهُمام والأسد الضرغام ما بين اليقظة والمنام . من أسراره للملهوف تنجي. سيدي محمد أبي النصر القاوقجي، جالساً في المسجد الكبير يلقي درساً على الصغير والكبير، وكان في المسجد كثير من العوام والكُمل. فقال الشيخ: من كان رفاعياً أو برهامياً أو قادرياً فليتشذل. فأول من وضع يده في يده الفقير ابن سعد، وكل الناس من أيديهم على ظهري بعد . ولقنني الطريق في النوم، فذهب العناء واللوم، فلما استيقظت فرحت وأي فرح، وقلت: فاز القلب وانشرح، وبعدها بقليل من الأيام، جاء الشيخ ذو الأنوار العظام، فذهبت إليه وأخذت عليه وتأدبت بين يديه . فأوصاني بما أوصاني، فياله من مرشد رباني وعارف صمداني، وأقامني نقيباً للاخوان، فمكثت سنة استقي من هذه الدنان، ثم طلبني أن أكون له خادماً ملازماً فلبيت طوعاً له مسلماً (قلت: سمعت من شيخنا أنه لما طلبه سيدي أبو النصر القاوقجي للزوم خدمته شق على والدته أن يتركها ويذهب خارج برمبال فكلمت ابنها والأقارب والأصحاب وأقنعوا شيخنا بالأمر، لكن شيخنا قال لهم: أنا لا أستطيع إخبار الشيخ بذلك فأخبروه أنتم، فلما أخبروا الشيخ القاوقجي قال: هو عندكم خذوه، وانتهى الأمر إلى أن رأى شيخنا شيخه القاوقجي في المنام وحدثت بينهما معاتبة، وأثناؤها ارتفع صوت شيخنا فضربه الشيخ القاوقجي على فمه، وقام من نومه لا يستطيع الكلام ودائم الصراخ، فانزعجت والدته وأقاربه وحاولوا معرفة السبب وعرضه على الأطباء وتهدئة شيخنا، فلما هدأ أشار إلى ورقة وقلم وكتب لهم ما حدث في الرؤيا، فقالت والدته: خذوه للشيخ القاوقجي، فلما وصلوا إليه انتظر شيخنا بالخارج ودخلت والدته والأهل وحكوا للشيخ القاوقجي ما حدث، فقال: أين هو ؟ قالوا: بالخارج خايف يدخل، قال: أحضروه، وكان الشيخ القاوقجي يشرب قهوته، فدخل شيخنا ووقف على الباب، فقال له الشيخ القاوقجي: تعالى وناوله باقي القهوة وقال له: اشرب . فشرب وسأله الشيخ القاوقجي: أنت متوضي ؟، فأنطقه الله تعالى وقال: لا، فقال له: قم فتوضأ .. وهاج الجمع وكبروا وقالت والدة شيخنا للشيخ القاوقجي: هو ولدك ولن أمنعه عنك بعد الآن وزاد اعتقادها فيه، وبعد ذلك رزقها الله طفلاً فسمته أبو النصر .. ونعود لقول شيخنا رضي الله عنه) ولازمته عشراً من الأعوام، مستسلماً لأحواله بلا ملام، وطالعت عليه كثيراً من الكتب الشرعية في مذهب السادة الحنفية وكذا الصوفية والروحانية … إلى أن قال رحمه الله:
وألبسني خرقة السادة الصوفية مرات، فمحت عني سائر الكدرات، وقد رأيت له كرامات وخوارق عادات لم أرها لغيره من السادات، ولما آن قرب رحيله من هذه الدار، والفوز بلقاء المحبوب في تلك الدار، خصنا بما شاء الله وأراد، فلله الحمد قد نلنا المراد (قلت: سمعت من شيخنا أنه أثناء تعب الشيخ القاوقجي الأخير سأله شيخنا: أنت فاكرني؟ [قال: أومال أومال] قال له: أنا مين ؟ [ قال: محمد محمد] قال له: أوعى تنساني [قال: أبداً أبداً ]) .انتهى.
يقول شيخنا صاحب الترجمة رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً مادحاً شيخه السيد/ محمد أبي النصر القاوقجي رضي الله عنه:
والله لا أنسى زماناً قد مضى
فيه العبادة والهداية والرضا
فيه ليال بالعلوم مضيئة
فيه نهار قد أضاء وأومضا
فيه إمام عالم متفضل
سمح الشرا سمح القضاء والاقتضا
كهف لكل الواصلين مسلك
طرق الإمام الشاذلي وفرَّضا
صد الحسود مع المشاكس والعدا
سل السيوف على المسيء وقوضا
لم ألق في دهري إماماً مثله
بالذكر والتوحيد دهراً قد قضى
شيخي بهاء الدين قطب زمانه
وسلالة الهادي الشفيع المرتضى
كُنى أبا النصر القوقجي محمدا
ما جاء محتاجٌ إلا أقرضا
نذر الكلام كثير ذكر دائماً
وبسره قول المجادل أدحضا
من مثله طاف البلاد معلماً
ومؤدباً وموصلاً ومحرضاً
بتحلمٍ وتصبرٍ وبحكمةٍ
وإذا رأى فظاً غليظاً فوضا
الحلم فيه غريزة مكنونة
والكون من قلب المفضل قد أضا
ولقد قضيت سنين عشراً خادماً
للشيخ وهو فسيح صدر للقضا
الله ينفعنا به وبجده
وبكل عبد للدنية أعرضا
ثم الصلاة على الحبيب وآله
ما جد عبد سيره واستنهضا
أو كرر المسكين بدأ عروضه
والله لا أنسى زماناً قد مضى
وبعد انتقال شيخه البهاء القاوقجي نوى شيخنا العمل بالتجارة مع الحاج/ محمد الزيات، وبالليل يقرأ للشيخ/ أحمد جلهوم الكفيف البصر، فرأى شيخه القاوقجي مناماً يقول له باللهجة الشامية: هتعمل إيش؟ فقال: أشتغل بالنهار مع الحاج/ محمد الزيات، وبالليل أقرأ للشيخ أحمد جلهوم، فقال له: لا هذا ولا ذاك.
يقول شيخنا: فعلمت ان سيدي أبا النصر مش عاوزني أبقى في شبين، فخرج رضي الله تعالى إلى السياحة مدة ينتقل من بلد إلى بلد حتى بشره أخيه العارف بالله الشيخ/ أحمد العيسوي شيخ السادة الشاذلية القاوقجية بالمنصورة بمقولته المشهورة ” كفر سعد لابن سعد ” رحم الله الجميع رحمةً واسعةً.
فكان المقام بقريتنا كفر سعد البلد – مركز كفر سعد – محافظة دمياط، وتزوج وصاهر الشيخ/ أبو الفتوح بدوي الكبير خليفة البهاء القاوقجي، ورزقه الله البنين والبنات، وأجاز نجله الأكبر الداعية القطب الشيخ/ محمد محمد سعد بدران الشهير بأبي المحاسن بجميع مروياته الخاصة والعامة، كذلك أجاز بقية أولاده خليفته من بعده ونائبه ومن ظهر فيه سر أبيه الأستاذ الكبير الشيخ/ أحمد، والداعية المستتر الحبيب الشيخ/ جمال الدين، والشاعر الجليل الوتر المشدود الشيخ/ محمود، والشاعر الجميل الوتر السادس الشيخ/ صلاح، وصافحهم وشابكهم وشدّ على أيديهم لتأكيد المحبة، والله أعلم.
وأول شيء قام به شيخنا رحمه الله تعالى هو (الكُتَّاب) لتحفيظ كتاب الله عز وجل، واشتهر بالتجويد مع التحفيظ جملة واحدة من أول آية، وغالب من يقومون بالتحفيظ الآن من تلامذته، وكان خطيباً مفوهاً يجول ويصول على المنابر لأكثر من خمسين سنة بالمسجد الكبير ومسجد النواصرية والمسجد الصغير والعزب المجاورة، وفتح الله عليه وتعين مأذوناً شرعياً بمركز كفر سعد، وتوسع في الدعوة إلى الله تعالى، وجمع القلوب على محبة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مجالسه وحضراته ببيته ومضيفته، ففي كل يوم بعد المغرب مجلس للعشاق والطلاب، وليلة الجمعة بعد العشاء مجلس الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم بالصيغة الأمية 1000 مرة، وهي: “اللهم صل على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه وسلم”، وبعد صلاة كل جمعة مجلس ذكر ودعاء، وفي شهر ربيع الأنور الاحتفالات بالمولد النبي الشريف وقراءة مولد قلائد العقيان والمولد المحمدي وغيرهما ببيته وبيوت الأحباب وأهل القرية الكرام احتفالاً شرعياً، وفي شهر رجب مجلس الاستغفار 1000 مرة بصيغة: أستغفر الله العظيم ذا الجلال والإكرام من جميع الذنوب والآثام، وغير ذلك .
علاقته بكبار العلماء والأولياء في عصره الذي تعرف عليهم وتعرفوا عليه (على سبيل المثال):
– من أجلهم شيخه وأستاذه القطب الكبير والعلم الشهير الذي انتسب إليه بقلبه وروحه وجنانه ووجدانه، وكان فتحه على يده السيد المربي/ بهاء الدين محمد أبي النصر بن مولانا السيد/ محمد أبي المحاسن القاوقجي.
– ومنهم شيخه وأستاذه العلامة الفقيه السيد / فخر الدين بن مولانا السيد / محمد أبي المحاسن القاوقجي درس عليه الفقه الحنفي وأخذ عنه وتلقى منه بأمر أخيه السيد / محمد أبي النصر القاوقجي.
– ومنهم شيخه وأستاذه العلم الكبير شيخ علماء دمياط السيد المحدث/ محمد خفاجى الدمياطي الشاذلي القاوقجي من تلاميذ السيد/ محمد أبي المحاسن القاوقجي، وأهداه بعض كتبه وأجازه بما أجازه به سيدي أبو المحاسن.
– ومنهم شيخه وأستاذه الولي الكبير الشيخ/ محمد موسى الشاذلي القاوقجي من تلاميذ السيد/ محمد أبي المحاسن القاوقجي.
– ومنهم شيخه وأستاذه الولي العظيم الشيخ/ مصطفى أبو بسيوني الشاذلي القاوقجي من تلاميذ السيد/ محمد أبي المحاسن القاوقجي.
– ومنهم شيخه الشيخ المعمر / محمد العربي العاقوري ، وسلم عليه في مسجد السيد البدوي وقال له: أصافحك باليد التي صافحت بها أبا المحاسن رضي الله عنه ومحمد البهي رضي الله عنه، وعاش هذا الولي قرابة 150 عام.
– ومنهم شيخه وأستاذه تبركاً العلامة الموسوعي الإمام الرائد السيد/ محمد زكي ابراهيم – رائد العشيرة المحمدية ، وكانت بينهما مودة عظيمة.
– ومنهم العارف بالله الشيخ/ أحمد العيسوي الشاذلي القاوقجي بالمنصورة، وكان بينهما عهد أخوة ومودة عظيمة.
– ومنهم شيخ العارف العيسوي الشيخ / سعيد العدوي الشاذلي القاوقجي بالمنصورة.
– ومنهم تلميذ العارف العيسوي وخليفته الشيخ/ عبد القادر علي عوض الشاذلي القاوقجي بأويش الحجر المنصورة.
– ومنهم الشيخ/ محمد البهنس، وهو شاعر الطريقة الناصرية، وكان عالماً ربانياً وشاعراً أديباً واشترك مع شيخنا في تأليف كتابهما (الذهب المسبوك في آداب السلوك) كله نظم واشتمل على فصول:
الفصل الأول: في آداب المريد مع شيخه.
والفصل الثاني: في آداب المريد مع إخوانه.
والفصل الثالث: في آداب المريد مع نفسه.
والخاتمة: في الأشياء التي يستحق بها المريد الطرد، والتتمة: في شروط المشيخة.
– ومنهم الشيخ/ محمد علي عبد الرحمن شيخ الطريقة الخلوتية، ووالد السيدة عائشة بنت الشاطيء.
– ومنهم الشيخ/ مصطفى الجعفري شيخ السادة الكتانية بالاسكندرية، وأخذ البيعة على شيخنا للطريقة الشاذلية.
– ومنهم المحدث الكبير الشهير السيد/ عبد الله بن الصديق الغماري، وأخذ عنه بعض الأسانيد.
– ومنهم القطب الكبير الشيخ/ عبد المقصود محمد سالم صاحب كتاب ” أنوار الحق في الصلاة على سيد الخلق “.
– ومنهم القطب المهاب الشيخ/ أحمد حجاب، وأهداه كتابه ” العظة والاعتبار آراء في حياة السيد البدوي الدنيوية والبرزخية ” بأمر سيدي أحمد البدوي.
– وكانت بينه وبين الإمام الأكبر الدكتور/ عبد الحليم محمود مراسلات، وأرسل له شرح القطب القاوقجي على حزب أبي الفتيان السيد أحمد البدوي.
– وكذلك كانت بينه وبين الشيخ/ عبد الرحمن أيوب مراسلات لأكثر من ثلاثين عاما، ولم تلقتق الأشباح، سمعت ذلك من ولده أبي الأنوار السيد/ محمد عبد الرحمن أيوب، فهو من اطلع على هذه المراسلات بعد وفاة والده، وحضر ببيت شيخنا رحمهم الله تعالى رحمةً واسعةً.
– ومنهم الشيخ المربي السيد/ محمد المهدي عبد الله معوض الشاذلي القاوقجي بقنا.. وغيرهم الكثير رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم، وأنزل علينا عند ذكرهم رحماته .. آمين.
واشتهر الشيخ رحمه الله تعالى بخاتمة المعمرين بالديار المصرية، وجاءت إليه الوفود من كل مكان (داخل مصر وخارجها) يستجيزونه ويسمعون منه، ويأخذون عليه خصوصاً المسلسل بالأولية ومسلسلات القاوقجي في الحديث النبوي الشريف، فقد تفرد الشيخ بروايته عن شيخه البهاء القاوقجي عن والده مسند عصره، والذي على أسانيده غالب بلاد مصر والشام والحجاز السيد/ أبي المحاسن محمد بن خليل القاوقجي، حيث عَمَرَ شيخنا بعد وفاة شيخه البهاء القاوقجي زمناً طويلاً قرابة واحد وسبعين سنة، ولم يعد أحد يشاركه في ذلك السند.
نبذة عن أسانيده رحمه الله في كتاب الله والحديث النبوي الشريف والتصوف:
لشيخنا صاحب الترجمة سندان متصلان بكتاب الله تعالى أحدهما قراءته على الشيخ أحمد التهامي، وهو قرأ السبعة على الشيخ سيد علي عبد العال بسنده، والآخر للقراءة لحفص من طريق الطيبة على الشيخ شفيق علي طوبار بسنده، ونذكر هنا ما نص عليه الشيخ طوبار ضمن إجازته لشيخنا فقال:
” وكان ممن اعتنى بهذا الشان وأجال جواده في مضمار ذلك الميدان. الأستاذ النبيه والعلامة الفقيه خادم كتاب الله ومحب رسوله ومولاه الشيخ محمد بن سعد بدران من برمبال الكبيرة غفر الله له كل كبيرة وصغيرة. فقد رغب في القراءة لحفص من طريق الطيبة. وقد أجزته بعد أن قرأ به عليّ إجازة صحيحة. بعبارة مقبولة صريحة. بشرطها المعتبر عند أهل العلوم والنظر، أن يقرأ ويقريء من شاء متى شاء في أي مكان حل وارتحل. وفي أي قطر أقام فيه ونزل … إلخ إجازته رحمهما الله تعالى رحمة واسعة.
ويروي شيخنا الحديث الشريف عن شيخه السيد/ بهاء الدين محمد القاوقجي أبي النصر وهو عمدته، وعن شيخ علماء دمياط السيد/ محمد خفاجي الدمياطي، وعن المحدث الكبير الشهير السيد/ عبد الله بن الصديق الغماري، وعن العالم الأزهري العامل الإمام الرائد الكامل السيد/ محمد زكي إبراهيم بسندهم إلى سيدنا رسول الله محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم .
وسنده في الطريق إلى الله عن شيخه القطب الكبير والعلم الشهير الذي انتسب إليه بقلبه وروحه وجنانه ووجدانه وكان فتحه على يده وهو السيد المربي/ بهاء الدين محمد أبي النصر القاوقجي عن والده ذي الأسرار والميامن السيد/ محمد أبي المحاسن القاوقجي بأسانيده كما في ثبته (شوارق الأنوار الجلية في أسانيد السادة الشاذلية).
شيء من كراماته رحمه الله تعالى:
سأذكر قليلاً من كثير مما باشرته بنفسي وشاهدته بعيني لتكون عظة واعتباراً للمنكرين، وتبصرة وذكرى لقوم يؤمنون، فأقول وبالله أصول:
أول ما أراني الله تعالى من كراماته كانت بعد قصة غريبة استمرت قرابة عام موجزها أنه لم يكن مرحب بي من بعض إخواني في الطريق، وكنت أتأذى غاية الأذى من ذلك خُصوصاً بعد تصريحهم المباشر لي، وما كنت أتكلم مع حضرته أبداً خلال هذا العام ولا يتكلم معي إلا قوله رضي الله عنه: قولوا له يفعل كذا، وقد تكررت ثلاث مرات فقط خلال هذا العام ! .. فذات يوم كان حوله الأحباب بمضيفته فأملى:
يا شادياً نلت المقام الأعظما
بمكارم الأخلاق صرت مقدماً
كن دائماً متواضعاً تسمو إلى الـ
عليا وترقى نحو أبواب السما
وتصير محبوباً لدى إخوانكم
ما دمت تخدمهم تراك معظماً
واحذر ترى فضلاً عليهم واستعذ
من شر نفس يا أخيّ لتغنما
وقر كبيرهم وإن صافحته
فالثُم يديه راضياً مترحماً
سله الدعاء على الدوام فهذه
أوصاف أهل الله كن مستسلماً
أنا كنت في بدء الحياة خُويدماً
لنعالهم وردي وحزبي دائماً
حتى شربت مُدامةً من كأسهم
فحييت في هذه الحياة متيماً
وجعلت ترب نعالهم كحلي إذا
رمدت عيوني هل رأيت مهيماً
مثل “ابن سعد” كان خادم شيخه
طول الحياة فنال منه مغنماً
رب الورى سلم أمتني مؤمناً
بالمصطفى وموحداً ومسلماً
وسماها شيخنا رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً (سبيل الشكر والحمد في نصيحة شادي محمد العبد).
وثاني ما أراني الله من كراماته رضي الله تعالى عنه كانت أثناء الورد اللزومي خصوصاً عند الصلاة على النبي صلى الله عليه وآله وسلم بالصيغة الأمية، وقد وفقني الله تعالى باستحضار الرابطة الروحية وتصور الشيخ أمام عيني جهة قلبي، وأرواح أهل السلسلة من حولي، وكأن قلبه على قلبي مستمداً منه وهو من شيخه وهكذا إلى سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فرأيت ما بين اليقظة والمنام جبهته قد انكشفت وظهرت منها الأنوار المحمدية، وصار يغيب في المصطفى المحبوب صلى الله عليه وآله وسلم حتى غبت عن الوعي، فلما أصبحت ذهبت إليه في الحال، وكنت لا أستطيع الكلام، فأول ما رآني أشفق عليّ وقال: يا حبيبي، نظرنا عليك طول الليل، ما نيمنتاش والله يا بني! ، وأملى على لسان العبد العديم :
يا أفضل الرسل الكرام الهادي
عبدٌ على الأبواب يُدعى شادي
يرجو انتظاماً في رحاب جمالكم
مع زمرة الزهاد والعباد
هو شاذليٌ تابع لخديمكم
وهو ابنُ سعد ناظم الأوراد
إني أراك تزوره في ساعة ال
أسحار تعطيه من الإمداد
فامنن عليّ بنفحةٍ أو رشفةٍ
من كأس خمر فيه كل مراد
وبحق مولانا أبو النصر الذي
هو قبلة الأقطاب والأوتاد
امنن عليّ بنظرة يا سيدي
إني فقير طالب للزاد
ثم الصلاة على النبي محمدٍ
والصحب والأزواج والأولاد
ما قال شادي في ختام قصيده
يا أفضل الرسل الكرام الهادي
وختاماً: ما أراني الله تعالى من كراماته في حياته الدنيا رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً كانت قبل وفاته بيوم ويوم وفاته موجزها (إخباره بموته رضي الله تعالى عنه)، وذلك أني كنت مقيم وأعمل بمدينة دمياط الجديدة وقتها، وعملي ينتهي الساعة 12 منتصف الليل، وكان من المعتاد أن كل يوم حبيب من الأحباب يبيت مع شيخنا، ويقوم على أموره حتى الصباح حسب جدول مُعَد لذلك، ولم أتمكن من مشاركتهم بسبب إقامتي وعملي المتأخر خارج كفر سعد البلد وقتها، وأسأل الله تعالى العفو والمسامحة والمغفرة حتى كانت ليلة النصف من شعبان، وأثناء عملي قرابة الساعة 10 م قبل انتهاء دوامي بساعتين أسمع شيخنا ينادي، ويتكرر هذا النداء، وصورته مسيطرة على رأسي وعقلي وكلي ولم أتمكن من إتمام عملي وأصبحت مشوش تماماً، وبمجرد انتهاء الدوام اتصلت على والدتي وحكيت لها ما حدث، وقلت لها: أستأذنك أذهب البلد دلوقتي لإن حصل كذا وكذا، وحاولت أصرف هذا الأمر ومش قادر، فقالت لي: الوقت متأخر بلاش دلوقتي وتعالى ارتاح اليوم وأنزل بكرة في الصباح.
فقلت لها: لازم أذهب دلوقتي يا أمي واستسمحتها حتى رضيت لإلحاحي عليها، وفعلاً ذهبت للبلد وأثناء الطريق حدثت حادثة بسبب كلب ظهر فجأة على الطريق فتيقنت أن ذلك بسبب مخالفتي لها وإلحاحي على النزول في هذا الوقت المتأخر.
وعندما وصلت بيت شيخنا قلت: الله الله، فرد عليّ أخي الحبيب محمد ابن عمي الشيخ محمد عبد الشهيد، وكانت هذه الليلة ليلته للقيام على أمور شيخنا، وقضينا الليلة سوياً في خدمة سيدنا الشيخ وصلينا الفجر وفطرنا مع حضرته رضي الله تعالى عنه وانصرفنا هو لبيته والعبد العديم لدمياط الجديدة ووصلت وقبلت يد أمي ثم نم ، واستيقظت على آذان الظهر لأسمع نفس نداء الشيخ أمس لكن بزيادة “هموت”، فقمت مفزوعاً وقلت لأمي: أنا ذاهب حالاً للبلد فيه شيء هيحصل، وحصل نقاش بسبب ذهابي أمس وعودتي اليوم صباحاً والآن أريد العودة وهترك عملي الساعة 4 عصراً ولن أذهب إليه، ولكن مع إصراري قبلت بعدما دمعت عيني وودعتني ودعت لي ، وتوجهت للبلد وبمجرد دخولي بيت شيخنا استغرب الحاضرين ، وقالوا لي : ايه ال جابك يابني انت مش كنت بايت هنا أمس ! ، قلت لهم : سيدنا الشيخ وانتهى الأمر حتى كان بين المغرب والعشاء.
الوفاة والانتقال:
في السادس عشر من شعبان 1428 ه سنة 2007 م يوم الأربعاء . بين المغرب والعشاء كان الشيخ جالساً يسند ظهره على صدري، وآخر من شربته الماء في هذه الحال بضعته السيدة / نجلاء ، وكان قد توفاه الله فلم يحرك الشيخ شفتاه، ولاحظت أني أتصبب عرقاً وفي جُهد شديد فأشارت عليّ أن أنيمه ليستريح فما استطعت أن أخبرها ، وامتثلت أمرها واشارتها وجلست أمام الشيخ أنظر إليه ، وكان الشيخ / أبو الحسن بدوي يصلي المغرب خارج غرفة الشيخ فلما انتهى حضر أمام الشيخ ليطمئن عليه وشعر بتغير حرارة جسد الشيخ وتغير صوته وكاد يبكي وقال لي : ولد يا شادي سيدنا الشيخ . فبادرته : اثبت يا سيدنا الشيخ ، ثم بكوا وانتشر الخبر وحضر الجميع ، وذكروا الله واجتمعوا حوله وتبركوا به وودعوه الوداع الأخير ثم انصرفوا وتركوني مع حضرته أحركه حتى ضحى الخميس فقام على شأنه ولديه الشيخ أحمد والشيخ / صلاح ومن تلامذته الشيخ / محمد عبد الشهيد والشيخ / أبو الحسن بدوي ، وصُلي عليه ظهر الخميس بالمسجد الكبير ، وشيع جنازته جمعٌ غفير ، ودفن بمقابر عائلة بدران بكفر سعد البلد – دمياط رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً وجزاه عنا خير الجزاء وأحسنه.
وأفرد بالتأليف :
– الشيخ الخطيب الصالح المصان / السيد الشحات رسلان شرشيرة في كتابه ( اللؤلؤ والمرجان في تاريخ قطب الزمان وعالم السنة والقرآن سيدي محمد سعد بدران ) – مخطوط
– الإمام الخطيب المحدث عمي الشيخ / محمد عبد الشهيد صايمة في كتابه (نفحات الرحمن في حياة سيدي وأستاذي الشيخ محمد سعد بدران ) – مخطوط
يسرنا تعليقك وتفاعلك مع الموضوع