درجة الحديث المتداول
(يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ …)
أد/ محمد إبراهيم العشماوي
أستاذ الحديث الشريف وعلومه في جامعة الأزهر
سؤال عن درجة حديث متداول؟
وردتني رسائل كثيرة، لمعرفة درجة هذا الحديث: (يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ لَا يَبْقَى مِنَ الْإِسْلَامِ إِلَّا اسْمُهُ، وَلَا يَبْقَى مِنَ الْقُرْآنِ إِلَّا رَسْمُهُ، مَسَاجِدُهُمْ عَامِرَةٌ وَهِيَ خَرَابٌ مِنَ الْهُدَى، عُلَمَاؤُهُمْ شَرُّ مَنْ تَحْتَ أَدِيمِ السَّمَاء،ِ منْ عِنْدَهُمْ تَخْرُجُ الْفِتْنَةُ، وَفِيهِمْ تَعُودُ).
وقد كثر تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي؛ لإشعاره بوصف الواقع الذي يعيشه المسلمون الآن؟!
والجواب: أن هذا الحديث روي من طرق ثلاث:
الطريق الأولى: رواه البيهقي في (شعب الإيمان) وابن عدي في (الكامل) من طريق عبد الله بن دكين عن جعفر بن محمد عن أبيه عن جده عن علي بن أبي طالب عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهو ضعيف؛ لأن علي بن الحسين – وهو جد جعفر بن محمد – لم يسمع من جده علي بن أبي طالب؛ ولهذا قال البيهقي عقب إيراده: “منقطع”.
ولأن عبد الله بن دكين منكر الحديث. قال أبو حاتم: “روى عن جعفر بن محمد غير حديث منكر”. وهذا منها. وضعفه أبو زرعة، وقال ابن معين: “ليس بشيء”.
ثم إنه – مع ذلك – قد اختلف عليه فيه، فرواه بعضهم عنه مرفوعا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، ورواه بعضهم موقوفا من كلام علي رضي الله عنه، مما يرجح جانب ضعف ابن دكين واضطرابه في روايته، فلا يوثق برفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم؛ ولهذا أورده البخاري في كتابه (خلق أفعال العباد) بصيغة تشعر بضعفه، مع إيراده إياه من كلام علي رضي الله عنه، فقال: “ويذكرون عن علي رضي الله عنه قال .. وساق الحديث”.
الطريق الثانية: رواه الديلمي في (مسنده) من طريق خالد بن يزيد الأنصاري عن ابن أبي ذئب عن نافع عن ابن عمر مرفوعا.
وخالد هذا هو العمري المكي؛ فهو الذي يروي عن ابن أبي ذئب، كذبه أبو حاتم وابن معين، وقال ابن حبان: “يروي الموضوعات عن الأثبات”.
الطريق الثالثة: رواه الديلمي من طريق إسماعيل بن أبي زياد عن ثور عن خالد بن معدان عن معاذ به نحوه.
وهذا الطريق فيه إسماعيل بن أبي زياد – وهو السكوني القاضي – قال ابن حبان: “شيخ دجال، لا يحل ذكره في الحديث إلا على سبيل القدح فيه”.
والحاصل: أن هذا الحديث شديد الضعف، إن لم يكن موضوعا، وأن أمثل طرق روايته هي الطريق الأولى، مع ما فيها من تعدد وجوه الضعف؛ إلا أنها لم تصل إلى درجة الوضع!
ومع هذا فالحديث لا يخلو من شبهة ثبوته، في أقل درجات الثبوت، وهو أشبه بكلام سيدنا علي رضي الله عنه منه بكلام سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو مشعر بوصف الواقع الحالي، ولكل معنى فيه شاهد من آية أو حديث أو أثر، لا سيما ما ورد في الفتن وأشراط الساعة، وحديث (بدأ الإسلام غريبا، وسيعود غريبا كما بدأ، فطوبى للغرباء) الذي رواه مسلم؛ مما يشهد له في الجملة، وبالله التوفيق.
يسرنا تعليقك وتفاعلك مع الموضوع